حق الدفاع الشرعي

يُعد الدفاع الشرعي self- defense من أبسط وأقدم المفاهيم القانونية الموجودة في القانونين الدولي والوطني على حد سواء، ومع ذلك فإنه لا يزال، حتى الآن، يثير الكثير من الجدل والنقاش، لا حول وجوده ومشروعيته، باعتبار أن هذه من المسائل التي باتت محلاً للتوافق والإجماع العام، وإنما الجدل والخلاف هما حول شروطه وبعض صوره ومفاهيمه المستجدة فضلاً عن تداخله مع بعض صور العنف الأخرى السائدة في العلاقات الدولية مما يستوجب تسليط بعض الضوء والتحليل على القضايا الإشكالية فيه.

أوّلاً- التعريف والتطور التاريخي:

الدفاع الشرعي في مفهومه القانوني هو القيام بتصرف غير مشروع دولياً للرد على تصرف غير مشروع وقع ابتداء، وفي كلتا الحالتين – الفعل ورد الفعل – يتم استخدام القوة المسلحة، ويستهدف الدفاع الشرعي دفع أو رد الخطر الجسيم من قبل المعتدي والعمل على إيقافه لحماية أمن الدولة وحقوقها الأساسية.

وبهذا المفهوم فإن الدفاع الشرعي هو فكرة عرفتها جميع الأنظمة القانونية و مختلف الشرائع كحق طبيعي وغريزي، فقد كان يمحو الجريمة عند الرومان فلا يبقى لها أثر جزائي أو مدني، وكان يعفي من العقوبة في أوربا الوسطى، وقد نص قانون عقوبات الثورة الفرنسية عام 1791 على أنه (في حالة الدفاع المشروع لا توجد جريمة مطلقاً ولذلك لا يحكم بأي تعويض مدني) وهذا ما فعله قانون 1810 وهو ما كانت قد أكدته من قبل الشريعة الإسلامية استناداً إلى قوله تعالى ]فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكم فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم[ وكان الدفاع الشرعي ُيدعى في الشريعة الإسلامية – دفع الصائل – وقد جاء في الحديث الشريف: «من شهر على المسلمين سيفاً فقد أحل دمه». كما عرفته وتبنته أيضاً مختلف الشرائع القانونية والفلسفات الوضعية.

وكما ثبت هذا الحق في الأنظمة القانونية الداخلية فقد أُقر وتأكد أنه مبدأ أساسي في القانون الدولي، ذلك أن النظام القانوني الدولي – مثله في ذلك مثل النظم القانونية الأخرى – يعترف بفكرة الدفاع الشرعي منذ وقت طويل، إذ نص على هذا الحق في الاتفاقية الخامسة من اتفاقيات لاهاي لسنة 1907 الخاصة بحقوق وواجبات الدول والأشخاص المحايدين في أحوال حصول حرب برية، فقد جاء في المادة العاشرة منها أنه (لا يمكن أن يعتبر عملاً من أعمال القتال الفعل الذي تأتيه الدولة المحايدة ولو كان متضمناً استعمال القوة لدفع الاعتداء على حيادها).

وكذلك فإن حق الدفاع الشرعي كان معترفاً به أيضاً في عهد عصبة الأمم، فإن نبذ الحرب طبقاً له لا ينفي اللجوء إلى هذا الحق عند حصول اعتداء (وإن كان العهد لم يرد فيه نص صريح كنص المادة – 51 – من ميثاق الأمم المتحدة) وقد نص بعد ذلك بروتوكول جنيف لسنة 1924 على هذا الحق في المادة الثانية التي جاء فيها: «أن الدول الموقعة قد اتفقت على أنها سوف لا تلجأ إلى الحرب كوسيلة لفض المنازعات بأي حال، إلا في حالة مقاومة أعمال العدوان» ومع أنه كان من المسلم به وقت تحرير ميثاق بريان – كيلوغ لسنة 1928 أن الدفاع الشرعي حق للدول، ولذلك لم تكن هناك حاجة إلى النص عليه صراحة في ذلك الميثاق، إلا أن غالبية الدول الموقعة عليه قد ذكرت في إجاباتها الخاصة بالتصديق على الميثاق (بأن هذا الميثاق لا يقيد حق الدفاع الشرعي عن النفس).

وقد تأكد هذا الحق بعد ذلك في نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وبموجب هذا النص أصبحت الدول تتمتع بحرية اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة بعيداً عن السلطة المركزية الدولية التي تحتكر استخدام القوة المسلحة في المجتمع الدولي – مجلس الأمن الدولي – وذلك في حالة الدفاع الشرعي وطبقاً للشروط المحددة لمشروعيته، كذلك فقد اعترف الميثاق للدول بإمكانية ممارسة حق الدفاع الشرعي سواء بصورة فردية أم بأسلوب جماعي أو أن تتم ممارسة الدفاع الشرعي الجماعي من خلال تضامن الدول الغير مع الدولة المعتدى عليها فور وقوع العدوان ومن دون أن يبنى ذلك على تنظيم أو ترتيب سابق، وذلك عندما يطلب المعتدى عليه المعاونة من الدول الأخرى ويلبى طلبه (كما حدث في أزمة الخليج الثانية الناجمة عن غزو العراق للكويت في – 2 – آب – 1990، إذ طلبت حكومة الكويت الشرعية وبعض الدول العربية الخليجية معاونة دول عربية وأجنبية بغية دفع عدوان العراق على دولة الكويت ودرء احتمالات اعتدائه على دول خليجية أخرى).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*